“حماس” هدّدت وتوعّدت وأوفَت بالوعد وتنتقم لضحايا الجرائم الإسرائيليّة في القدس المحتلّة.. هل تَقِف المنطقة على حافّة حرب إقليميّة؟ وما هِي خِيارات نِتنياهو.. اجتياح القِطاع.. أم سيبتلع الإهانة ويُهرول إلى القاهرة سعيًا للتّهدئة؟ وما هِي الأمم المتحدة المُتوقّعة..!
بقلم/ عبدالباري عطوان
عندما تُهَدِّد كتائب القسّام، وفصائل المُقاومة الأخرى، في قِطاع غزّة على لِسان أبو عبيدة النّاطق باسمها بأنّها تمنح الإحتلال الإسرائيلي مُهلةً حتّى السّادسة مساءً اليوم لسحب جُنوده ومُستوطنيه من المسجد الأقصى المُبارك وإلا سيكون الرّد “مُزَلزِلًا” فها هِي تَفِي بوعدها، بالدّقيقة والثّانية، وتُطلِق صواريخها لتَضرِب أهداف ومُستوطنات في القدس المحتلّة، وغِلاف قِطاع غزّة.
وكالات الأنباء العالميّة أكّدت أنّ المدينة المُقدّسة شهدت انفِجاراتٍ عنيفة (7 صواريخ)، وأنّ صفّارات الإنذار انطلقت وشُوهِد المُستوطنون يهرعون إلى الملاجِئ طلبًا للحِماية، في خطوةٍ غير مسبوقة في تاريخ الصّراع العربي الإسرائيلي، ويُمكن أن تُؤدّي إلى حربٍ شاملة ليست محصورةً في قِطاع غزّة فقط وإنّما في مِنطقة الشّرق الأوسط بأسْرِهَا.
هذا القصف يأتي ردًّا على جرائم الاحتِلال الإسرائيلي في القدس المحتلّة، واقتِحام المسجد الأقصى، والاعتِداء على المُؤمنين المُتعبّدين في أكنافه، والاستِيلاء على منازل المُرابطين في حي الشيخ جراح بطُرقٍ استفزازيّة تحت تهديد السّلاح، وإلقائهم في الشّارع في شهر رمضان المُبارك، والشّماتة فيهم بشَكلٍ وَقِح.
حركات المُقاومة طفح كيلها، ونفَذ صبرها، ولم تَعُد تتحمّل غطرسة الاحتِلال وجرائمه، ونكثه للوعود والاتّفاقات، وقرّرت الرّد بصواريخها وربّما بطائراتها المُسيّرة الملغومة، ولا نَستبعِد أن تَكشِف المُواجهات الجديدة عن أسلحةٍ وصواريخ دقيقة لم يتم استِخدامها في المُواجهات السّابقة كافّة، وهذا ما يُفَسِّر إلغاء القِيادة العسكريّة الإسرائيليّة مُناوراتها الحربيّة الأضخم في تاريخها، بعد يومٍ واحد من بدئها، وإغلاق مطار اللّد وتحويل الرّحلات الدوليّة إلى مطاراتٍ أُخرى تَحَسُّبًا لاستِهدافه بصواريخ المُقاومة، وفتح الملاجئ في تل أبيب والقدس المحتلّة، وباقِي المُدن المحتلّة.
لا نَعرِف على وجه الدقّة كيف سيكون الرّد الإسرائيلي على هذا القصف الذي أصاب قِيادته في مقتل، وأكّد أنّ المُقاومة تملك زِمام المُبادرة، ولم تَعُد تخشى الاحتِلال أو تفوّقه العسكري، وباتت مُستَعدّةٍ للمُواجهة، وإلحاق أكبر قدر مُمكن من الضّرر، المادّي المعنوي، بالدّولة العبريّة، ونعتقد أنّ القِيادة الإسرائيليّة باتت أمام أحد احتِمالين:
الأوّل: اجتِياح قِطاع غزّة بالدبّابات مع قصف صاروخي مُكثّف لمقرّات حركات المُقاومة، وحماس على وجه الخُصوص، والأحياء السّكنيّة وارتِكاب جرائم حرب على غِرار ما حدث في صيف عام 2014، والاجتِياحات التي قبلها.
الثّاني: أن تُقدِم على رَدٍّ محدود بالصّواريخ على بعض الأهداف الثانويّة، والهَرولة في الوقت نفسه إلى القاهرة طلبًا للوِساطة للتّوصّل إلى هُدنة.
اقتِحام قِطاع غزّة، أو قصف أهداف مدنيّة على غِرار المرّات السّابقة سيعني قصف صاروخي انتِقامي للمُقاومة على أحياءٍ سكنيّة ومُستوطنات إسرائيليّة في تل أبيب وحيفا والقدس وأسدود وعسقلان وبئر السبع، وجميع هذه المُدن المُكتظّة سكنيًّا في مرمى هذا القصف، ومن غير المُستَبعد استهداف بُنى تحتيّة ومحطّات المِياه والكهرباء والطّاقة أيضًا.
أحد قادة المُقاومة في القِطاع أكّد لنا أنّ مطار اللّد الدّولي (بن غوريون) يتصدّر قائمة الأهداف في أيّ مُواجهةٍ مُقبلة، وأنّ العين بالعين والسّن بالسّن، حيث ستُلقِي المُقاومة بكُل قوّتها وثِقَلها في المُواجهة، ولن تستمع أو تتجاوب لأيّ وِساطات لوقف إطلاق النّار لأنّ دولة الاحتِلال الإسرائيلي لا تلتزم بالعُهود والاتّفاقات، وتُواصِل غطرستها وجرائمها وحِصارها للشّعب الفِلسطيني، وها هي الصّواريخ الأخيرة تُثبِت سُوء تقديرها.
لا نُريد استِباق الأُمور، فالمعركة في بدايتها، ولكن ما يُمكِن أن نقوله في هذه العُجالة أنّ بنيامين نِتنياهو قد يكون ارتكب الخطأ القاتل الذي أقدم عليه سلفه إيهود أولمرت عندما أرسل قوّاته إلى جنوب لبنان، واعتقد أنّها ستكون نُزهة، ومُنِي بهَزيمةٍ كُبرى أطاحت بِه وحُكومته، وأنهت أُسطورة الجيش الذي لا يُهزَم.
القبب الحديديّة التي فَشِلَت في التّصدّي وإسقاط الصّاروخ السّوري الذي وصَل إلى غِلاف مفاعل ديمونا، مثلما فَشِلَت في التّصدّي للعديد من الصّواريخ التي أطلقتها حركات المُقاومة من قِطاع غزّة، هذه القبب لن تحمي الإسرائيليين، ويكفي وصول بضعة صواريخ إلى القدس وتل أبيب المُحتلّين لبثّ حالة الذّعر والهلع في نُفوس المُستوطنين، ودفعهم لرُكوب البحر بحثًا عن الأمان في البِلاد التي جاءوا منها، سواءً أصابت هذه الصّواريخ أهدافها أو لم تَصِب.
إعلان حركة المُقاومة الإسلاميّة “حماس” مسؤوليتها عن إطلاق الصّواريخ على القدس المحتلّة، ومُستوطنات غِلاف غزّة كرَدٍّ على إصابة 300 فِلسطيني برصاص الاحتِلال في المسجد الأقصى يعني أنّها قرّرت الانسِحاب من كُل اتّفاقات التّهدئة السّابقة، والعودة إلى ينابيعها الأصليّة، أيّ المُقاومة المسلّحة، وهذا تَطوّرٌ مُفاجِئ قد يُجَسِّد انتِهاء مرحلة وبَدء أُخرى أكثر خُطورةً.
ما لا يُدركه نِتنياهو أنّ الصّبر الفِلسطيني على غطرسته له حُدود، وأنّ المارد الفِلسطيني إذا تحرّك لن يُوقِفه أيّ شيء، فهذا المارد لا يَعرِف الخوف، ويُؤمِن بعقيدة المُقاومة حتّى الشّهادة، والقُدس بالنّسبة إليه أكثر الخُطوط إحمِرارًا، ويُمكِن تذكيره بأنّ كتائب القسّام توعّدت ونفّذت 4 عمليّات استشهاديّة انتِقامًا لاغتِيال قائِدها يحيى عياش عام 1996، وردّت حركة الجهاد الإسلامي على اغتِيال بهاء أبو العطا قائِدها الميداني بإطلاق 400 قذيفة صاروخيّة وصلت إلى تل أبيب وعسقلان، وجعلت نِتنياهو يهرب كالجِرذ رُعبًا وهلعًا، ممّا يُثبِت أنّ الإسرائيليين لا يقرأون التّاريخ أيضًا.
الأيّام المُقبلة ربّما تكون حافلةً بالمُفاجآت، و”إسرائيل” ستكون الخاسِر الأكبر والشّيء نفسه يُقال عن نِتنياهو المُتَغطرِس.. والأيّام بيننا.