لماذا يُشارك وزير الخارجيّة المغربي في مُؤتمر اللّوبي الصّهيوني الأمريكي “أيباك” في تزامنٍ مع الاعتِداءات الإسرائيليّة على المسجد الأقصى والمُرابطين من أهله المُدافعين عن هُويّته العربيّة والإسلاميّة..!
بقلم/ عبد الباري عطوان
فاجأنا السيّد ناصر بوريطة وزير الخارجيّة المغربي بقراره المُشاركة في مُؤتمر اللّوبي الصّهيوني “أيباك” الذي سيُعقَد في واشنطن الأسبوع المُقبل، لأنّه يُكرّس بهذه المُشاركة إصرار الحُكومة المغربيّة على المُضيّ قُدمًا في مُخطّط التّطبيع مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي والدّاعمين لها، رغم تراجع الإدارة الأمريكيّة الديمقراطيّة الجديدة عن كُل تعهّدات الرئيس الأمريكي السّابق دونالد ترامب بالاعتِراف بالسّيادة المغربيّة على “الصّحراء الغربيّة”..
وما يُؤكّد ما نقول أنّ السّفيرة الأمريكيّة في الأُمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد طلبت أمس الأربعاء من مجلس الأمن الدولي السّعي من أجل استِئناف المُفاوضات بين المملكة المغربيّة وحركة البوليساريو، وحثّت أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأُمم المتحدة، على تعيين مبعوث له إلى “الصّحراء الغربيّة” في أسرعِ وقتٍ مُمكن.
اتفاقيّة التّطبيع التي وقّعتها الحُكومة المغربيّة جاءت في الوقت الضّائع، وبضَغطٍ من الرئيس ترامب بعد خسارته لانتِخابات الرّئاسة، وتجاوبًا مع جاريد كوشنر صِهره الذي أقام علاقة وثيقة مع شخصيّات مغربيّة وازنة، واللّافت أنّها تُوشِك أن تقع في الخطأ نفسه بوضع كُل بيضها في سلّة اللّوبي اليهودي الأمريكي، بالتّنسيق مع بنيامين نِتنياهو الذي خسر الانتِخابات التشريعيّة الأخيرة وفشل في إعادة تشكيل الحُكومة حتّى كتابة هذه السّطور، وتُشير جميع التّحليلات إلى أنّ إسرائيل ذاهبة إلى انتخابات خامسة في أقل من عامين، وأنّ نِتنياهو ذاهبٌ إلى السّجن حتمًا مثلما تُرَجِّح مُعظم آراء الخُبراء.
نُدرِك جيّدًا أنّ الحُكومة المغربيّة تَطرُق كُل الأبواب المُمكِنَة لتكريس سِيادَتها على الصّحراء التي تعتبرها جُزءًا من الأراضي المغربيّة، ولكنّ هذا الطّريق الذي تسلكه ربّما يُؤدّي إلى نتائج عكسيّة، لأنّه يَربُط هذه القضيّة بشَكلٍ خاطئ مع القضيّة الفِلسطينيّة بسبب التّباين الكبير بين القضيّتين.
فإذا كانت السّلطات المغربيّة ترى أنّ قضيّتها عادلة، فإنّه من الخطأ أن تربطها بقضيّةٍ أُخرى، وهي قضيٍة الاغتِصاب الإسرائيلي لفِلسطين وعدالتها المُثبّتة بقراراتٍ أُمميّة، ودعم مُعظم الشّعوب في العالم، إن لم يَكُن كلّها، ولا نعتقد أنّ اللّجوء إلى اللّوبي الصّهيوني الأمريكي سيُغيّر هذه الحقيقة، بل ربّما يُلحِق ضررًا بالموقف المغربيّ.
الخِطاب الرسمي المغربي الذي يُرَكِّز على وجود مليون يهودي من أصولٍ مغربيّة في فِلسطين المُحتلّة، ويحتل عشرة وزراء منهم مقاعد في الحُكومة الإسرائيليّة، خطابٌ خاطِئ وغير مُقنع، ويُسِيء للشّعب المغربي الوطني الشّريف الذي يُعتَبر من أكثر شُعوب العالم نُصرَةً للشّعب الفِلسطيني وقضيّته العادلة، وكفاحِه المشروع لاستِعادة حُقوقه المُغتَصبة، فهؤلاء يحتلّون أرضًا عربيّة إسلاميّة، وينخرطون في جيش يرتكب مجازر وجرائم حرب في حقّ الأشقّاء الفِلسطينيين، ويُصوّتون لحُكومات إسرائيليّة يمينيّة عُنصريّة مُتطرّفة كارهة للعرب والمُسلمين، بِما فيهم المغاربة الذين حموهم من مجازر الفرنجة في الأندلس، وفتحوا أرضهم وقُلوبهم لاحتِضانهم بعد أن فرّوا بأرواحهم إلى المغرب وباقِي دول الاتّحاد المغاربي، وأثبت بعضهم أنّه نَاكِرٌ للجميل والمعروف.
اليهود المغاربة ذهبوا إلى فِلسطين كمُحتلّين، ولطرد أهلها بالقوّة والقتل والتّرهيب، وشاركوا في أربع حُروب ضدّ العرب والمُسلمين، ولذلك فإنّ تباهي البعض من مُبَرِّري التّطبيع بهم مُشاركةٌ في هذه الجريمة، بطريقةٍ أو بأُخرى، وخُروجًا عن كُلّ الشّرائع والقوانين الدوليّة والوضعيّة معًا.
هُناك مِليونا مغربي في فرنسا، وربّما مثلهم في ألمانيا وبلجيكا وهولندا وإسبانيا، وهؤلاء لم يذهبوا إلى هذه البُلدان من أجلِ احتِلالها، وطرد شُعوب أُخرى، وكانوا وما زالوا مَوضِع فخرٍ لنا جميعًا كعرب ومُسلمين، بسبب قصص نجاحاتهم الباهرة المُشَرِّفة في المهجر، والدّور الكبير الذي يلعبونه في دعم الاقتِصاد المغربي من خِلال تحويلاتهم الماليّة وزِياراتهم، وسِياحتهم السنويّة لأرض الوطن.
نعلم جيّدًا أنّ السيّد بوريطة ليس واضِع سِياسات، وإنّما مُنَفِّذ لها بحُكم دوره الوظيفيّ، ولذلك نتمنّى على “الدّولة العميقة” المغربيّة أن تتراجع عن كُل خطوات التّطبيع، ليس لأنّ مُعظم الشّعب المغربي ضدّها، ويَقِف في خندق القضيّة الفِلسطينيّة العادلة، ومُستَعِدٌّ للجِهاد وبَذْل الدّماء والأرواح لنُصرَتها، خاصّةً في هذا الشّهر الفضيل، وإنّما أيضًا، لأنّها تُسِيء للمغرب وهيبته وإرثه الوطنيّ العريق، ومكانته العربيّة والإسلاميّة، وكانت خطوات التّطبيع هذه جُزءًا من مُؤامرةٍ على الأمّتين العربيّة والإسلاميّة.
نَكتُب بحَذرٍ شديد، ونختار كلماتنا بعنايةٍ فائقة، لأنّنا نُحِب المغرب وشعبه الكريم الوطنيّ المِضياف، ونَحرِص على هُويّته العربيّة والإسلاميّة، نحنُ الذين نَعرِف الغدر الإسرائيليّ جيّدًا، وكُنّا وما زِلنا مِثل عشرة ملايين من أهلنا، أحَد ضحاياه.