مِصر بدأت الاستِعداد للحرب.. وتَصاعُد المُطالبات الشعبيّة للجيش بتدمير “خطّ بارليف” الإثيوبي.. هل اقتربت المُواجهة العسكريّة بعد خرق إثيوبيا لكُل الخُطوط الحُمر وإصرارها على تنفيذ المرحلة الثّانية من مَلء خزّان السّد بعد شهرين؟ وما هي فُرَص النّصر أو الهزيمة..!
بقلم/ عبد الباري عطوان
بقلم/ عبد الباري عطوان
تعيش مِصر هذه الأيّام حالةً من التّعبئة والتّحشيد الرّسمي والشّعبي بعد تزايد احتماليّة اللّجوء إلى الخِيار العسكري لمنع بدء المرحلة الثّانية من مَلء سدّ النهضة الإثيوبي بعد فشَل جميع الوِساطات المُفاوضات للتوصّل إلى حُلولٍ سياسيّةٍ مُرضيةٍ للأطراف الثّلاثة، أيّ مِصر والسودان وإثيوبيا بسبب التعنّت الإثيوبي.
من يُتابع وسائط التواصل الاجتماعي في مِصر هذه الأيّام يلمس وجود حالة غضب غير مسبوقة، وتحذيرات لإثيوبيا من التّجرّؤ على إهانة مِصر، والانتِقاص من مكانتها الإقليميّة، وسيادتها على مواردها الماليّة، ولوحظ أنّ النّخبة السياسيّة المِصريّة، والقِيادات الأكاديميّة والفكريّة تتوحّد مع الطّبقات الشعبيّة في دعوة الجيش المِصري للقِيام بواجبه بالحِفاظ على حُقوق مِصر المائيّة حتّى لو أدّى الأمر إلى إشعال فتيل الحرب وتدمير السّد.
القِيادة الإثيوبيّة التي تعمّدت طِوال الأعوام الماضية ابتِزاز مِصر واستِفزازها بسياسات فرض الأمر الواقع، بدأت تُدرِك أنّ الصّمت المِصري الرّسمي، قد يكون هو الهُدوء الذي يَسبِق العاصفة، ولهذا هرعت إلى مجلس الأمن الدولي أمس شاكيةً باكيةً، ومُتّهمةً مِصر والسودان “بالسّعي لزعزعة الاستِقرار، والقِيام بتصرّفات تتجاوز التّهديد بالحرب، وقالت إنّهما وقّعتا اتفاقيّة عسكريّة ثنائيّة وأجرتا مُناورات مُشتركة بحُضور رئيسيّ هيئة أركان البلدين”.
الرئيس عبد الفتاح السيسي أحسن صُنعًا عندما رفض المُشاركة في قمّة ثلاثيّة مِصريّة سودانيّة إثيوبيّة كمُحاولةٍ أخيرة للوصول إلى تسويةٍ تمنع حُدوث المُواجهة العسكريّة، لأنّ إثيوبيا عاقِدةٌ العزم على المُضِي قدمًا في خططها التجويعيّة لأكثر من 40 مِليون مُواطن مِصري وسوداني بملئها خزّان السّد في الموعد المُقرّر في تمّوز (يوليو) المُقبل، ومن طرفٍ واحد..
ومن أفشل الوساطة الأمريكيّة المدعومة من صندوق النّقد الدولي ومُشاركته، ورفض حُضور حفل التّوقيع على الاتّفاق المُتمخّض عنها، لا يُريد السّلام، ويقرع طُبول الحرب، وهذا ما يُفسّر قوله، أيّ الرئيس السيسي، كرَدٍّ على الاستِفزازات الإثيوبيّة “مِياه النيل خط أحمر، ولن نسمح بالمساس بحُقوقنا المائيّة، وأيّ مسّ سيكون له ردّ فِعل يُهَدِّد استِقرار المِنطقة بالكامل”.
إثيوبيا بقِيادة آبي أحمد، وبدَعمٍ من إسرائيل وبعض الدّول العربيّة الخليجيّة، تُريد تركيع مِصر شعبًا وحُكومةً، وتدمير دورها الإقليمي الرّيادي، بإنشاء السّد ومَلء خزّانه وفق الشّروط الإثيوبيّة وهذا يعني انتقاصًا من السّيادة المِصريّة، وإخضاع مِصر للابتِزاز الإثيوبي حاضِرًا ومُستَقبلًا، وإلغاء جمع الاتّفاقات الدوليّة التي تُشرّع حصّتيّ مِصر والسودان السنويّة من المِياه، واليوم بناء السّد، وغدًا بيع المِياه لمِصر والسودان، تماماً مثلما باعت إسرائيل الأردن حصّته المشروعة من مِياه نهر الأردن، فالمُعلّم واحد.
آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي يَكذِب بفُجورٍ مِثل صديقه وحليفه الإسرائيلي بنيامين نِتنياهو عندما يقول إنّ الهدف من بناء السّد هو توليد الكهرباء، ولا تُوجَد أيّ نوايا للمساس بحُقوق دولة الممر (السودان) أو المصب (مِصر)، فلن يكون هُناك أيّ توليد للكهرباء في المرحلة الثّانية من مَلء خزّان السّد تمامًا مثل المرحلة الأولى، واحتِجاز 74 مِليار متر مكعّب في بُحيرة السّد يعني تحفيض حصّتيّ مِصر (55.5 مليار مُكعّب) والسودان (18ر5 مِليارًا) إلى النّصف لعدّة سنواتٍ قادمة.
حديث الرئيس الأمريكي السّابق دونالد ترامب عن وجود خطّة مِصريّة لضرب سدّ النهضة وتدميره لم تَكُن زلّة لسان، وإنّما نتيجة معلومات مُوثّقة، وتأتي في إطار حقّ الدّفاع عن النّفس، وأمن البِلاد المائي الاستِراتيجي، وهذا ما يُفسّر مُسارعة إدارته للتقدّم بمُبادرةٍ لحلّ الأزمة، ودعوة وزراء خارجيّة الدّول الثّلاث إلى مُفاوضاتٍ في واشنطن لتجنيب الحرب، والتّوصّل إلى اتّفاقٍ رفضته إثيوبيا.
مِصر لا تهاب الحرب، وستخوضها برُجولةٍ وشجاعة إذا ما فُرِضَت عليها، فمن خاضَ أربع حُروب في أقل من ثلاثة عُقود، وخرج منها قويًّا مُنتَصِرًا، ضدّ قِوى عُظمى مِثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا، علاوةً على دولة الاحتِلال الإسرائيلي، لن يتردّد في خوض الخامسة إذا شعر أنّ لُقمة خُبز عشرين مِليون من شعبه باتت مُهَدَّدَةً.
إثيوبيا تجاوزت كُل الخُطوط الحُمر بمُضيّها قُدمًا في إفشال كُل جُهود السّلام، والمرحلة الثّانية من مَلء خزّان سدّ النهضة، وعليها تحمّل تَبِعات هذا التّصرّف الأهوج المُتّسم بالغطرسة والعِناد والعُدوانيّة.
الصّبر الاستراتيجي، وسياسة ضبط النّفس المِصريّة وصَلا إلى نهايتهما فيما يبدو، وعلينا أن نَقِف كعرب ومُسلمين في خندق الشّقيقة مِصر، عُرفانًا بجميلها، ونُصرَتها لقضايانا، وإفشال المُؤامرة الإثيوبيّة الإسرائيليّة التي تستهدفها، وأجيالها القادمةـ علاوةً على كونها والشّقيقة السودان يَقِفَان في خندق الحقّ.
الحِلف السوداني المِصري لن يُهزَم، وسيَخرُج مُنتَصِرًا مرفوع الرّأس، فالجيش المِصري الذي حطّم خطّ بارليف، وهزم نظيره الإسرائيلي الذي لا يُهزَم، يستطيع بمُشاركة شقيقه السوداني تحطيم سدّ النهضة، إذا لم تتراجع إثيوبيا عن غطرستها وغُرورها، وآخِر العِلاج الكَيّ.. والأيّام بيننا.