سوريا تتعافى.. ومرحلة “كظم الغيظ” تقترب من نهايتها و”صاروخ ديمونا” السّوري قد يكون العُنوان الأبرز للمرحلة المُقبلة.. لماذا يكتئب البعض إذا ردّ محور المُقاومة و”يُعايرونه” شماتةً إذا لم يَرُد؟
بقلم/ عبدالباري عطوان
أن يَصِل صاروخ إلى مُحيط مفاعل ديمونا الإسرائيلي، وتفشل القبب الحديديّة في اعتِراضه، بغضّ النّظر عمّا إذا كان من نوع “أرض جو”، أو “أرض أرض”، فإنّ هذا يعني للوهلةِ الأولى أنّ قوّة الرّدع الإسرائيليّة تتآكل فِعلًا، وأنّ حالة الرّعب التي تسود أوساط القِيادة العسكريّة والمُستوطنين الإسرائيليين باتت مُرشّحةً للارتِفاع والتّفاقم.
النظريّة الذهبيّة تقول إنّك إذا أردت أن تعرف حقيقة رُدود الفِعل الإسرائيليّة، الرسميّة والشعبيّة، ما عليك إلا أن تُتابع الإعلام الإسرائيلي، وتدخّلات الرّقابة العسكريّة في تغطياته، منعًا أو حذفًا، لبعض المعلومات، وهذه النظريّة تنطبق حرفيًّا على تعاطي هذا الإعلام مع “صاروخ ديمونا” ووصوله إلى غلاف مدينة ديمونا في صحراء النّقب المُحتَل.
كان لافتًا أنّ جميع الصّحف ومحطّات التّلفزة الإسرائيليّة، والمُحلّلين العسكريين فيها، ومُعظمهم من الجِنرالات المُتقاعدين، لم يتطرّقوا مُطلقًا لهذا الصّاروخ، والضّرر العسكري والمعنوي الذي ترتّب عليه، ممّا يعني أنّ الرّقابة العسكريّة تدخّلت، ومنعت النّشر، تَجنُّبًا للبلبلة، والمَزيد من هزّ الثّقة، المهزوزة أساسًا، بالمُؤسّسة العسكريّة في ظِل تعاظم قُدرات محور المُقاومة الصّاروخيّة، والضّربات المُتلاحقة للسّفن الإسرائيليّة في البِحار المفتوحة، وفرض إيران لشُروطها كاملةً على الجانب الأمريكي في مُفاوضات فيينا للعودة إلى الاتّفاق النووي، وبداية تدهور للعُلاقات الإسرائيليّة الأمريكيّة في ظِل إدارة جو بايدن الديمقراطيّة.
!
رفع العُقوبات الأمريكيّة عن إيران، وفكّ القُيود عن أرصدتها، وحظر تصديرها للنّفط، تعني إنتصار المحور الإيراني، وتدفّق مِئات المِليارات إلى خزائنه، والسّماح له بتطوير وبيع صواريخه وطائراته المُسيّرة المُتقدّمة جدًّا، وتمويل جميع أذرعه العسكريّة الضّاربة، الأمر الذي سيُغيّر موازين القِوى العسكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة لمصلحة هذا المحور وموازين القِوى، وعلى حِساب التفوّق العسكري الإسرائيلي، فالطّائرات المُتطوّرة لم تَعُد تَحسِم الحُروب، وإنّما الصّواريخ والطّائرات المُسيّرة، والإرادة الحديديّة.
ردّ الدّفاعات الجويّة السوريّة على الغارات الإسرائيليّة، والتّصدّي للطّائرات المُغيرة ومُطاردتها بالصّواريخ فوق أجواء فِلسطين المحتلّة، تطوّرٌ كبير، وخطوة تُنبِئ بحُدوث مُواجهات قادمة مُختلفة، ونقل المعركة إلى “العُمق الإسرائيلي” جَويًّا وأرضيًّا، أو هكذا نقرأ الرّواية السوريّة الرسميّة التي تنشرها “رأي اليوم” في زاوية أخبار خاصّة.
غريبٌ أمر بعض العرب، فعندما كانت المؤسّسة العسكريّة السوريّة التي استعادت مُعظم الأراضي السوريّة تُؤجِّل الرّد على “العُدوانات” الإسرائيليّة بسبب تركيزها على الجبهة الداخليّة، كانوا يُعايرونها بأنّها “جبانة” لا تجرؤ على الرّد، وعندما تَرُد وتَصِل صواريخها برؤوسها المُتفجّرة إلى مُحيط مفاعل ديمونا النّووي، وتتجاوز القبب الحديديّة التي رصدت أمريكا عشَرات المِليارات من الدّولارات لتطويرها، يُقَلِّل هؤلاء من هذا الإنجاز العربي ويتَفنّنون بالتّشكيك فيه، ويَقِفون في الخندق الإسرائيلي بشَكلٍ مُباشر أو غير مُباشر دون خَجَلٍ أو حياء.
إسرائيل التي كانت تحسم حُروبها في أيّامٍ معدودةٍ فقدت تفوّقها العسكري مُنذ حرب العاشر من رمضان أكتوبر المجيدة عام 1973 التي نعيش ذِكراها هذه الأيّام، وكانت بداية مُسلسل هزائمها، ولعلّ انطِلاق هذا الصّاروخ السّوري “المُبارك” في هذه الذّكرى، وكشف عورات القبب الحديديّة لم يَكُن من قبيل الصّدفة، وقد يُؤشِّر لمَرحلةٍ جديدةٍ، أو هكذا نأمل.
سوريا، ومعها إيران، والعِراق، وقطاع غزّة، ولبنان، وكُل العرب الشّرفاء، تستطيع تحمّل عدّة صواريخ أو “عُدوانات” إسرائيليّة، ولكنّ “إسرائيل” لا تستطيع تحمّل صاروخًا باليستيًّا واحِدًا مُزوّدٌ برأسٍ مُتفجّر، وحالة الارتباك والرّعب التي يعيشها مُستوطنوها هذه الأيّام، وبعد اختِراق الصّاروخ السّوري لدِفاعاتها المُفتَرض أنّها الأكثر حصانةً وكفاءةً في العالم هي الدّليل الأبرز على ما نقول.
“الزّمن الإسرائيلي” يَلفُظ أنفاسه الأخيرة، وبشَكلٍ مُتسارع، ومرحلة الصّبر الاستِراتيجي و”كظم الغيظ” تقترب من نهايتها، إيذانًا ببدء مرحلةٍ جديدة عُنوانها العريض الرّد، وبشَكلٍ مُباشر، في العُمق الفِلسطيني المُحتَل.. والأيّام بيننا.