ماذا يعني الانتِقام الإيراني السّريع بقصف سفينة إسرائيليّة قُبالة الفجيرة في بحر عُمان؟ وماذا سيقول الذين تسرّعوا وراهنوا على عدم الرّد الإيراني على الانفِجار في مُنشأة نطنز النوويّة؟ هل تخلّت إيران عن نظريّة الصّمت الاستِراتيجي وقرّرت الانتِقال إلى الهُجوم..!

182

بقلم/ عبد الباري عطوان

نعتقد أنّ الذين بالغوا في سُخريتهم من القِيادة الإيرانيّة، واتّهموها بالجُبن، وعدم الرّد على الاعتِداءات الإسرائيليّة التي استهدفت اغتِيال عُلمائهم، ومُنشآتهم النوويّة، وآخِرها مُنشآة نطنز لتخصيب اليورانيوم يَشعُرون بالنّدم وهُم يُتابعون الأنباء التي تتحدّث عن قصفِ سفينةٍ إسرائيليّة قُبالة الفجيرة في دولة الإمارات العربيّة المتحدة، ولم تتردّد القِيادة الإيرانيّة في الإعتراف بوقوفها خلفه عبر وكالة تسنيم الرسميّة.

هذا الرّد لم يُفاجِئنا نحن الذين كتبنا في هذا الحيّز عن حرب النّاقلات المُشتَعلة بين إيران و”إسرائيل” في البحر الأحمر والمُحيط الهندي، فقبل بضعة أيّام فقط جرى إستهداف سفينة إسرائيليّة قُرب ساحل جيبوتي في مدخل باب المندب الاستِراتيجي، كانت في طريقها من تنزانيا إلى الهند، مثلما جرى استِهداف سُفن إسرائيليّة أُخرى قُبالة السّواحل اليمنيّة والسعوديّة جرى التّكتّم عليها.

فرحة الإسرائيليين، واحتِفالهم بالوصول إلى المُنشأة الإيرانيّة، وتدميرها، لم تَدُم طويلًا، ولا نُبالغ إذا قُلنا، إنّ هذه الفرحة انقلبت إلى “مأتم”، وضاعفت من حالة القلق التي تسود أوساطهم حاليًّا، فمن يَقصِف السّفن في البحر ربّما يَقصِف، بشكلٍ مُباشر، أو عبر حُلفائه، العُمق الفِلسطيني المُحتل بالصّواريخ الدّقيقة.

اختِيار ساحل الفجيرة الإماراتيّة لقصف السّفينة الإسرائيليّة ربّما كان مقصودًا بعنايةٍ فائقة، لأنّ دولة الإمارات كانت من الدّول التي أقدمت على التّطبيع مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي في أيلول (سبتمبر) الماضي (سلام إبراهام)، وتحدّثت تقارير استخباريّة عن توصّل الجانبين، أيّ الاماراتي والإسرائيلي، إلى اتّفاقاتٍ أمنيّةٍ وعسكريّة مُشتَركة لمُواجهة “الخطَر” الإيراني.

نحن أمام انقِلاب خطير في قواعد الاشتِباك في المِنطقة، عُنوانه الأبرز إنتقال الإيرانيين من ضبط النّفس إلى الرّد الفوري على الاعتِداءات الإسرائيليّة و”أوّل الرقص حنجلة” مثلما يقول المثَل، سفينة مُقابل سفينة، وربّما مفاعل مُقابل مفاعل لاحقًا.

ليست السّفن الإسرائيليّة التي لم تَعُد آمنةً فقط، وإنّما الموانئ والمطارات ومحطّات الكهرباء في العُمق الإسرائيلي أيضًا في المرحلة المُقبلة، ويتحمّل بنيامين نِتنياهو المسؤوليّة الأكبر عن حالة التّصعيد هذه لأسبابٍ شخصيّةٍ انتخابيّةٍ محضَة، وسيَدفع الإسرائيليّون جميعًا ثمن هذا الاستِفزاز من أمنِهم واستِقرارهم.

أمريكا التي تنصّلت من الهُجوم الإسرائيلي على مفاعل نطنز، وقالت إنّها لم تُشارك فيه، تتحمّل المسؤوليّة أيضًا لأنّها أعطت الضّوء الأخضر لهذا العُدوان على المُنشأة أثناء وجود وزير دفاعها في تل أبيب، وصمتها وعدم لجمها لحليفها الإسرائيلي، وقد تدفع وحُلفاؤها في أوروبا ثمنًا باهظًا في مُحادثات العودة للاتّفاق النووي الإيراني التي سيتم استِئنافها غدًا الأربعاء في فيينا خاصّةً بعد فرض الأوروبيين عُقوبات اقتصاديّة وسياسيّة على مسؤولين إيرانيين كِبارًا.

قُلناها ألف مرّةٍ، إنّ إسرائيل لن تستطيع حِماية نفسها، وسُفنها، ومُستوطناتها ومَوانئها إذا أشعلت فتيل الحرب، وواصلت عُدوانها على دول محور المُقاومة، ناهِيك عن حِماية حُلفائها العرب الجُدد، والقادم ربّما يكون أعظم.. والأيّام بيننا.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com