من له مصلحة في انهِيار لبنان؟ وما هي الجِهة التي تقف خلفه؟ ولماذا يزور الجنرال الأمريكي ماكينزي بيروت في هذا التّوقيت؟ وما هو السّيناريو الذي سيتبع مرحلة التّجويع والانهِيار هذه..!
بقلم/ عبدالباري عطوان
قبل الحديث عن حالة الانهيار المُتسارعة في لبنان، واستِفحال ظاهرة الجُوع التي تسوده حاليًّا وتجعل من نِصف سكّانه تحت خطّ الفقر إن لم يكن أكثر، لا بُدّ من التّركيز على السّبب الرئيسي وراء هذه الأزمة، وهو التدخّل الأمريكي الإسرائيلي المُباشر وغير المُباشر في هذا البلد، وعلى مراحل مُتعدّدة، في إطار خطّة مدروسة بعناية، وإلا ما معنى زِيارة الجنرال كينيث ماكينزي قائد القيادة المركزيّة الأمريكيّة الوسطى للبنان، في تزامنٍ مع هذا الانهِيار؟
هُناك ثلاث طُرق تلجأ إليها الولايات المتحدة بتحريضٍ إسرائيليّ، لخلق دول فاشلة تمهيدًا لتغيير، أو تركيع، أنظمة الحُكم، ومن ثمّ الشعوب فيها:
الأولى: التدخّل العسكري المُباشر مثلما حدث في العِراق وليبيا وأفغانستان واليمن (من خِلال التّحالف السعودي).
الثانية: التدخّل العسكري غير المُباشر من خِلال تفجير الاضّطرابات الداخليّة تحت أعذار مُتعدّدة أبرزها انتِهاك حُقوق الإنسان وغياب الديمقراطيّة، أو بذر بذور الفتن الطائفيّة، وهذا النّموذج بدأ في الحرب الأهليّة الأفغانيّة في صِيغتها الأولى، ونرى بعض إرهاصاته حاليًّا في سورية،، وقبلها في ليبيا.
الثالثة: تدمير الاقتصاد، والعملة الوطنيّة بالتّالي، من خِلال فرض عُقوبات وحِصارات اقتصاديّة خانقة، وجرى ويجري تطبيق هذا النّموذج في العِراق بعد غزوه للكويت وللتّمهيد للاحتِلال، وإيران مُنذ ثلاثين عامًا، وقِطاع غزّة وسورية.
الواجهة الحاليّة المُتّهمة بتجويع اللّبنانيين، وتدمير اقتصادهم في الوقت الرّاهن، هي الطّبقة الحاكمة الفاسدة، وجميع هؤلاء هُم من حُلفاء ورجالات الولايات المتحدة بالدّرجة الأولى، وإسرائيل بالدّرجة الثانية، أمّا السّبب الحقيقي فهو العمل على نزع سلاح المُقاومة بالطّرق والوسائل كافّة، حتى لو استدعى الأمر إلى إشعال فتيل الحرب الأهليّة، وهذا في رأينا هو السّيناريو الأكثر احتمالًا بعد مرحلة الانهِيار الاقتصادي والتّجويع المُستَعِر حاليًّا.
الطّبقة السياسيّة الفاسدة كانت موجودةً مُنذ اليوم الأوّل لتأسيس الدولة اللبنانيّة وفق التّقسيمات والمُحاصصات الطائفيّة، ومارست السّياسات نفسها، وأبرزها نهب المال العام على مدى عُقود، ولكن لبنان لم يَجُع، واقتِصاده كان الأكثر ازدهارًا في المنطقة العربيّة بأسْرِها، ولكن عندما تغيّر الوضع مرّتين..
الأولى بقُدوم المُقاومة الفلسطينيّة، والثّانية بتبلور المُقاومة اللبنانيّة، وتَصاعُد قوّتها العسكريّة ضدّ إسرائيل، وانتِزاعها حصّةً كبيرةً في النظام السياسي اللبناني، وتغييرها كُل المُعادلات القائمة على الأرض، وبِما يتناسب مع حجمها الدّيمغرافي وقوّتها العسكريّة، جرىٍ تجويع لبنان وإفلاسه.
الحرب الأهليّة الأولى في مُنتصف سبعينات القرن الماضي، انفجرت بعد عمليّة تحريض محكمة الإعداد، تكلّلت بفبركة حادث الاعتداء على الحافلة لإشعال فتيلها، ونجزم بأنّ الانهِيار الاقتصادي الحالي الذي يعيشه لبنان حاليًّا، وبضُغوطٍ أمريكيّة ومُشاركة أدوات داخليّة لبنانيّة، قد يكون المُفجّر للحرب الأهليّة الثّانية التي باتت وشيكةً جدًّا..
وأحد أبرز إرهاصاتها عمليّات قطع الطّريق وإحراق المحلّات، ونقص غير مسبوق في الخدمات الأساسيّة، من ماء وكهرباء، واتّصالات، وتعليم وصحّة، وأخيرًا ليس آخرًا فُقدان اللّيرة اللبنانيّة أكثر من 90 بالمئة من قيمتها، وارتفاع مُعدّلات البِطالة إلى 40 بالمئة، وارتفاع نسبة التضخّم في أسعار السّلع الغذائيّة إلى أكثر من 400 بالمئة، بِما في ذلك رغيف الخُبز الذي ارتفع سعره بنسبة 100 بالمئة ممّا أدّى إلى تقليص الأسر الفقيرة وجباتها اليوميّة إلى وجبةٍ واحدةٍ يَوميًّا، حسب إحصاءات برنامج الغذاء العالمي وصندوق النّقد الدولي.
من يُتابع الإعلام الإسرائيلي وتصريحات الجِنرالات العسكريين الإسرائيليين سواء الذين يعملون في المؤسسة العسكريّة أو المُتقاعدين منهم، يلمس حالة التّركيز هذه الأيّام على القُدرات العسكريّة، والصاروخيّة منها بالذّات، لحزب الله، والتّأكيد على أنّها باتت تُشكّل تهديدًا وجوديًّا لدولة إسرائيل، خاصّةً الصّواريخ الدّقيقة منها التي تجاوز عددها “الخطّ الأحمر” أيّ من 500 ـ 1000 صاروخ الذي حدّده إفيف كوخافي، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي في أحدث مُقابلاته التلفزيونيّة.
فبركة أنباء عن وجود أطنان من مادّة نترات الأمونيا في مخازن “حزب الله” في مرفأ بيروت، كانت سبب تفجيره الذي دمّر نصف العاصمة، وأدّى إلى مقتل وإصابة عشرات الآلاف من سكّانها، كان وما زال الخطوة التحريضيّة الأولى في سيناريو تفجير لبنان، ويبدو أن خطوات لاحقة وشيكة قد نرى تطبيقاتها العمليّة في الأسابيع والأشهر المُقبلة، ولعلّ عرقلة تشكيل الحُكومة اللبنانيّة إحداها، وزيارة ماكينزي لبنان، وفي حالة الفوضى الحاليّة تشي كلّها بأنّ وراء الأكمّة ما ورائها.
عندما تتّهم أمريكا “حزب الله” جنبًا إلى جنبٍ مع روسيا وإيران في التدخّل في الانتخابات الأمريكيّة الأخيرة، لإسقاط الرئيس دونالد ترامب، وتوجيه روسيا الدّعوة لوفد يُمثّله لزيارة موسكو ولقاء سيرغي لافروف وزير الخارجيّة، فهذا يعني أن الحزب بات قوّةً إقليميّةً عُظمى يجب تدميرها أمريكيًّا.
احتمالات فشل هذا السّيناريو الأمريكي الإسرائيلي المذكور آنفًا أكبر بكثير من احتِمالات نجاحه، لسببٍ بسيط وهو أن السّيناريو المُماثل في سوريا فَشِلَ فشَلًا ذريعًا، رغم وقوف 65 دولة خلفه بقِيادة أمريكا، وضخ مِئات المِليارات من الدّولارات وإرسال عشرات الآلاف من المُقاتلين المسلّحين لإنجاحه، وعلينا أن لا ننسى أن “حزب الله” الذي يُشكّل رأس الحربة الأقوى في محور المُقاومة، لعب دورًا كبيرًا في إفشال هذا السّيناريو التّدميري.
هناك “طبخة” أمريكيّة إسرائيليّة للتّدخّل في لبنان باتت على وشكِ النّضوج عُنوانها الأبرز التدخّل عسكريًّا، بشَكلٍ مُباشر أو غير مُباشر، والهدف هو “حزب الله” وترسانته العسكريّة، ولا نُبالغ إذا قُلنا أنّ هذ “الطّبخة” ومهما أبرز الطبٍاخون في إعدادها ستَحتَرِق وستأتي نتائجها عكسيّةً تمامًا مِثل نظيراتها في سوريا والعِراق وأفغانستان.. والأيّام بيننا.