الحرب في اليمن .. اثار منهوبه وتدمير حضارة ..
كتب / بشرى الشهابي
خلال السنوات الفائتة في اليمن تم تنفيذ هجمات واعتداءات طالت العديد من الممتلكات الثقافية، بما فيها مواقع أثرية ومعالم تاريخية تعود لما قبل ألفي سنة وأكثر. لقد كان للتدمير الذي طال آثار الحضارة اليمنية القديمة والحديثة والمباني التاريخية والدينية، حضوراً لافتاً بوصفه أبرز مظاهر انزلاق البلاد إلى هاوية حرب بلا قرار.
واليمن من أثرى دول المنطقة والعالم بالتراث التاريخي العمراني، فقد شهد أول حضارات العالم ويعود تاريخه لما قبل الميلاد، وصنعاء العاصمة من أقدم المدن في العالم التي لاتزال مسكونة ..
لكن هذا التراث الذي صمد لآلاف السنين يبدو وبعد ثلاث سنوات من الحرب في اليمن مهدد بالزوال.
ومن المواقع التي طالها التدمير الكلي أو الجزئي، في محافظة صنعاء؛ “مسجد وضريح الإمام عبدالرزاق ابن همام الصنعاني” والمتوفى في العام (211 هجرية) في منطقة حمراء بقرية دار الحيد بمديرية سنحان. وفي محافظة الضالع؛ “دار الحسن” الأثري في قرية دمت التاريخية التي تعود إلى فترة عصور ما قبل الإسلام. وفي محافظة عدن، تعرض لأضرار القصف الطابق الثالث من “المتحف الوطني”، الذي يعود تاريخ بنائه إلى عهد السلطان “فضل بن علي العبدلي” في العام (1912م)، و”مسجد جوهرة” التاريخي، كما تعرضت لأضرار القصف “قلعة صيرة” التاريخية، التي تعد من أبرز قلاع وحصون مدينة عدن، وقد بنيت في القرن الحادي عشر الميلادي، وكان للقلعة دور دفاعي في حياة المدينة خلال المراحل التاريخية لمدينة عدن.
وفي محافظة تعز، تعرضت لأضرار جسيمة وبالغة من أثار القصف الجوي “قلعة القاهرة” التاريخية، ويعود بناؤها إلى عهد الدولة الصليحية (1045-1138م)، وتعد النواة الأولى لنشأة مدينة تعز. وقد قامت بأدوار عسكرية وسياسية هامة خلال تاريخها الطويل، وليس ذلك فحسب بل أن الأيوبيين عندما دخلوا اليمن (1173م) جعلوها مقراً لإقامتهم، كما أصبحت بعد ذلك مقراً لحكم الرسوليين الذين حكموا اليمن بين (1229-1454م).
وفي صعدة، تعرضت لغارات القصف الجوي المدينة القديمة في مركز المحافظة، وكذلك “جامع الإمام الهادي إلى الحق يحي بن الحسين بن القاسم”، الذي يعد أقدم جوامع مدينة صعدة وأهمها، حيث يعود تاريخ بنائه إلى العام (290 هجرية).
أما في محافظة صنعاء، فقد تعرض لغارات القصف الجوي (قصر السلاح) الذي يعتقد أنه مقام على أنقاض “قصر غُمدان” الشهير، الذي كان يعتبر من عجائب الهندسة المعمارية ومن أقدم القصور في العالم، وجاء ذكره في كتاب “الإكليل” الجزء الثامن، للمؤرخ والجغرافي اليمني أبو محمد الحسن الهمداني الذي عاش في (القرن الرابع الهجري/ العاشر ميلادي)، وذكر أن الملك “سيف بن دي يزن” هو أشهر وآخر ملوك الدولة الحميرية، والذي حكم في القرن السادس للميلاد، الذين سكنوا بهذا القصر. كما وصفه الرحالة محمد القزويني كأحد عجائب بلاد العرب. وتعرضت أيضاً بعض المنازل في مدينة صنعاء القديمة و”قرية فج عطان” الأثرية لأضرار كبيرة من جراء القصف.
وفي محافظة الجوف، تعرض للأضرار وتدمير أجزاء كبيرة منه “سور مدينة براقش” الأثرية، والتي تعود إلى فترة ما قبل القرن الخامس قبل الميلاد. وفي مدينة صرواح في محافظة مأرب، تعرضت جدران المعبد المعروف باسم “معبد أوعال صرواح” إلى التشقق في الكثير من ملحقات المعبد وأجزائه خاصة السور، ويعود تاريخ هذا المعبد إلى عهد الدولة السبئية، وهو ضمن المواقع الأثرية التي قامت البعثة الألمانية بالتنقيب فيه، وكشفت في العام (2005) عن أهم وأكبر نقش سبئي يعود تاريخه إلى القرن السابع قبل الميلاد.
ووجهت بعض المنظمات نداءً إلى المجتمع الدولي، التدخل لحماية ما تبقى من آثار، وحثت على إدراج الممتلكات التاريخية ضمن قائمة الحماية المعززة، التي تبناها بروتوكول لاهاي عام ١٩٩٠ وإعلان أسماء الجهات العسكرية التي تقوم بالهجوم لأن الكشف عن أسمائهم للإعلام سيحجم تصرفاتهم العدائية.
ودعت ايضا أطراف النزاع ومنظمات دولية معنية بحماية الآثار بضرورة العمل على وقف النزاع العسكري الذي تسبب بمقتل آلاف الأبرياء والإجهاز على البعد الثقافي، التاريخي، والعمراني الذي يشتهر به اليمن في المنطقة العربية.